المديرالعام Admin
الجنس : عدد المساهمات : 876 تاريخ الميلاد : 08/06/1987 05/10/2014 العمر : 36 العمل/الترفيه : أستاذ المزاج : جيد
| موضوع: خلف الستار الإثنين أكتوبر 27, 2014 3:26 pm | |
| لم أعرف أن هذا الفندق يطل على مقبر المدينة .. كنت مرهقاَ بعد رحلة طويلة شاقة ، و ليس لي إلا أن أنام . فتحت الستائر و انكشفت لي قبور متجاورة . قبور تتجمع و تتلقي ، تخرج من مكانها و تتزحزح و ترتج كالماء ، و تطفو للأعلى ، جامحة تضرب بعضها بعضاً ، و الشواهد تنهار بلونها الرمادي و الأبيض أما القبب الصغيرة فكانت ملفوفة بخرق خضراء . لم أخبر زوجتي بالأمر ، كانت مشغولة بالاستحمام بعد السفر الطويل . أسمع رشرشات الماء على البلاط و أرى الأبجورات الموضوعة بعناية . لم أغلق الستارة . و لفت انتباهي دخول جماعات من الرجال بجنازة من الباب الشرقي للمقبرة : كان الرجال يرتدون ملابس بيضاء ناصعة ، و كان النساء من خلفهم يمشين كالغربان بعباءات سوداء . لا إرادياً فتحت النافذة .. جاءني هواء هذه المدينة الساخن الذي يبرد في الليل . كنت أريد أن أتبع صوت هذه الجنازة .سمعت صوت الولولة أولاً .. جاءتني مع هبوب الريح من الشرق . كانت البوابة التي دخلوا منها منهكة لها حديد صدئ ، النصف الآخر من البوابة كان ساقطاً على الأرض . وضعوا الجنازة على الأرض و ارتفعت زغاريد . التقى النساء بالرجال و اختفت الجنازة . ماذا لو شاهدت زوجتي هذا المنظر ؟! و كيف اخترنا هذا الفندق لشهر العسل ؟ اتخذت قراري بالفرار من هذا الفندق إلى أقرب فندق . لن أخبر زوجتي .. لكنها ستفتح الستارة بالحتم . نمت على المقعد الذي بجوار السرير و أنا انتظر دوري لدخول الحمام . كانت الرحلة طويلة بالطائرة ، طويلة استغرقت عشر ساعات . رحلات الترانزيت متعبة ، لم أفق إلا في الليل . عندما فتحت عيني كانت زوجتي جالسة أمامي عند ميز التواليت تصلح زينتها . قالت لي دون أن تلتفت : - نمت خمس ساعات .. و تركتك ترتاح .. فالليلة سنسهر حتى الصباح .. لم أجبها ، كنت لا أزال في حوزة النوم . نمت بثياب السفر . حلمت أحلاماً مفزعة . كانت رأسي ثقيلة . قلت لزوجتي : - كيف نمت ؟ - على المقعد .. و بعد ذلك حملتك بصعوبة على السرير . - أنا نهضت بنفسي ؟ - بمساعدتي ... أخفيت على زوجتي صور الحلم الذي رأيته . كا ن الضوء في الغرفة خافتاً ، ينبعث من الأباجورات في جوانب السرير . انتبهت إلى التسارة عن يميني ، و حمدت الله أنها لا زالت مغلقة . كانت زوجتي نائمة طوال الوقت أيضاً . قالت لي : - قرأت برنامج السهرة في هذا الفندق و حجزت طاولة لشخصين .. هل أخبر زوجتي عن المقبرة ؟ قلت لها : - سننتقل من هذا الفندق غداً . قالت : - أنا مرتاحة هنا لا داعي للتغيير .. - أظننا أخطأنا في ذلك .. - هو فندق خمس نجوم ؟ - نعم .. لكن موقعه غير مناسب .. - من أي جانب .. هو في وسط المدينة ؟ - نعم .. ترددت ، لكنها ستعرف ، لا بد و أن تفتح الستارة بعد قليل ، هذا هو طبعها ، و طبع كل مسافر ، يريد أن يعرف ما حوله ، و ما بجواره ، المنظر الخلفي للغرفة .. لم بنوا هذا الفندق هنا ؟ كيف ارتكبوا هذه الحماقة ؟ قلت : على كل حال .. أنا موافق على المكان الذي يعجبك . - خلاص .. يعجبني ه ذا الفندق .. ادخل الحمام و اطرد عنك كسل النوم . قلت لها : - لا أريد الخروج من الغرفة الليلة .. الظاهر أنني مصاب ببرد ، و علي أن أستريح في الغرفة .. كانت في كامل زينتها ففوجئت بقراري . - هل جئنا إلى هذه المدينة الجميلة للنوم ؟ - الأيام القادمة .. - و هل ينامون في شهر العسل ؟ كنت مكتئباً . أصبت بالاكتئاب منذ خمس سنوات . و كان الموت يزورني كل مساء في هيئة صامتة : جسدي ممدد فوق نعش خشبي طويل ، و عيني مغمضة ، جسدي مغطى بزيت ، و هو غامق و عميق ، و مجموعة الرجال يحملوني إلى المقبرة . يغشاني العرق ، و يضيق صدري ، و يركض الخوف . أصاب بهلع شامل . لا أتحدث . أفحص حبات العرق فوق جبهتي في الشتاء . لم أخبر زوجتي عن الاكتئاب .. ستكتئب هي الأخرى . ضغطت الجرس و أنا أقول لزوجتي : - سنحتفل هذه الليلة في هذه الغرفة الأنيقة الممتلئة بالسجاد و صور النساء الجميلات . فتحت زوجتي الراديو . و زارتنا الموسيقى هادئة ، ناعمة .. و تدفق شعور من الفرح في عينيها . رأيتها تس تدير إلي ، بفستانها الأسود مكشوف الكتفين ، و في شعرها الفاحم وردة صفراء . كانت في غاية الجمال . و قالت و هي تزيح شعرها فتظهر عياناها النجلاوان بكل طلاوتهما الشهية . - كما تشاء .. كل مكان أنت فيه جنة . و جاءت و طوقتني . أنعشتني العطور الباذخة . قالت : - لن أخلع فستان السهرة .. - ليكن .. سأرتدي أنا البدلة .. بدلة الزواج .. و من يدري .. قد نخرج فجأة آخر الليل و نتجول في المدينة ، و لا نعود إلا في الصباح . هذه المدينة لا تنام . تسهر و تزدان بالأضواء و تعمها الحركة . و يرتاد العشاق حدائقها ، ومقاهيها .. مدينة صاخبة للمتزوجين و العشاق .. و العابثين في الحياة .. و سمعت طرقاً بالباب فقلت : - النادل ؟ فتحت الباب ، ودخل النادل و أخرج دفتراً من جيبه : - ماذا تطلبين يا بشرى ؟ - كأساً من الحليب .. - و أنا أريد بيرة مثلجة .. بشرى إبراهيم : دخل زوجي صلاح الحمام . كنت أسمع صوت الما ء و الموسيقى الهادئة . دفعني اللاشعور إلى الستارة . عجبت كيف غفلت عنها كل هذا الوقت . فتحت الستارة و رأيت المقبرة . شواهد قبور صامتة و ناتئة ، قبباً كثيرة داكنة . و كلاباً تجوس بين الضوء الذي يكشف عن جوانب من شواهد القبور . وقفت صامتة . لم أتوقع ذلك .. مقبرة بجوار الفندق ؟! ما السر ؟ شعرت بانقباض ، يجب أن نرحل غداً من هذا المكان .. الآن ؟ لا .. دفعنا للفندق أجرة اليوم . غداً في الصباح ، صلاح مريض و لا يستطيع الانتقال كما يبدو ، و سينزعج من هذا الانتقال السريع .. غداً في الصباح أخبره بالأمر . سأغلق الستارة .. يجب أن تبقى هذه الستارة مغلقة الليلة ، الليلة على الأقل ، حتى لا تفسد هذه الليلة ، حتى صلاح يبقى في حالة متوازنة .. لو أخبرته بالأمر فقد يكتئب .. بالحتم سينزعج كثيراً .. هو الحساس المرهف يكتشف مقبرة في مكانه ، في غرفته ؟ كنت أشعر أن المقبرة تزحف إلينا ، هنا في جانب الفندق ، تدخل الدهليز ، و تتخلل الجدران .. و تستقر على السرير .. المقبرة تتحول إلى أثير .. تزحف و تدخل في مكان الفندق ، كأنها جزء منه ، و كأنها بنيت مع الفندق ، و ستزال معه .. أحسست بحميمية إلى المقبرة ، كدت أذهب إليها الآن بنفسي ، أقترب من ال شواهد و القبور و أنام على الأسمنت السميك تحت الضوء و الظلمة المختلطة ، أشعر بالندى المحمول على نبات ظاهر بين القبور . الشواهد تتحرك ، تقفز ، و جدران المقبرة تنتكس و تميل .. أسمع صفير زوجي داخل الحمام و إيقاع الموسيقى الذي يتحول . الستارة المفتوحة ليس كلها .. سأخفي الأمر على صلاح .. ليعلم غداً في الصباح .. نكون قد استرحنا ، و بعد نوم عميق نرحل .. هل تبقى الستارة مغلقة إلى الغد ؟ و ماذا لو أراد أن يفتح الستارة ؟ كيف أمنعه ؟ .. لم أخش الموت كثيراً في حياتي . هو أمر عادي ، أتوقعه كما أتوقع خروج زوجي من الحمام ، كان أهلي يعجبون من ذلك . و فسروا هذا بغلاظة القلب . أنا مؤمنة بالله .. و هذا سر الفتي مع الموت .. لكن زوجي .. آه ! أعرف أنه مكتئب .. و يتعاطى دواء الاكتئاب .. و يخفى علي ذلك . الله يرحمنا .. لن أدعه يفتح الستارة . لم يضيئون هذه المقبرة ؟ .. و لم هذه الأضواء الضاجة على امتداد هذه المقبرة ؟ و لم في وسط المدينة ؟ و هذه نافورة ماء منطلق ، و سيارات جرارة جميلة تصعد الطريق الجنوبي ، و مقاه كثيرة هرجة تقابل المقبرة و الفندق ، و خمارات ، و مراقص .. فتحت النوافذ ذات الزجاج السميك ، و انحدرت إلي موسيقى من أسفل قاعات الفندق ، أنا في الدور الخامس ، و جاءتني الموسيقى من الدور الثاني . في هذا المطعم الفخم ذو الثريات الكبيرة و الموحية و الرخام . الفرقة ستغني هنا في الطابق الثاني . و المرقص في الطابق الأول . سأشتري ورداً من سوق الفندق العام .. ليت صلاح يوافق على الذهاب إلى الحفل ؟ هل ينعشه الدوش الساخن ؟ أراه يصفر ؟ من يدري ؟ سنذهب إلى الحفلى الصاخبة . الموسيقى التي أحبها . أريد أن أخرج من هذه الغرفة .. أن أطير .. أطير .. لن أدع صلاح و نفسي في حجرة مغلقة .. أنا و هو و في شهر العسل ؟ لن أدع حبيبي ينام عابساً حزيناً .. سنخرج .. سنخرج .. أعرف كيف أقنعه .. و التذاكر في يدي .. و إذا لم يوافق سأزعل ، و إذا زعلت فهو لا يقدر على زعلي .. سيوافق . كان صلاح خارجاً من الحمام . منتعشاً ، و جاءتني سخونة بخار الحمام . كانت الستارة مقفلة ، و لا أدري لم نظر إلى الستارة أول ما خرج من الحمام . قلت : - صلاح .. أنا أريد أن أسهر .. يبدو لي أن الحفلة في الطابق الثاني جميلة .. إعلاناتها باهرة .. - تظنين ذلك ؟ - نعم لم يخب ظني قط .. و هذه مدينة الطرب و الحياة .. و الفندق خم س نجوم ! - ما يعجبني فيك يا بشرى هذا التفاؤل المفرط .. لا أدري بسببك أو بسبب الدوش الساخن ، أشعر بتغير و الظاهر أننا سنغير رأينا .. صلاح هشام : كيف فاتتني هذه الفكرة ، كان علي أن أدعوها أنا للخروج ، لأهرب بها من هذه الغرفة .. لن تفكر في فتح الستارة إذا كانت خارج الغرفة . نذهب إلى السهرة . و لا أعتقد أن مطعم الفندق - حيث تقام السهرة - مفتوح على المقبرة .. هذا مستحيل .. المطعم سيكون بالحتم في واجهة المدينة .. الواجهة الضاجة بالنوافير و الأشجار .. لأوافق على أفتراحها دون تردد .. بشرى إبراهيم : كم كنت سعيدة عندما سمعت زوجي صلاح يقول لي بسرور و ترحيب : - لنسهر في المطعم السفلي في الدور الثاني .. نفسي مفتوحة للحياة .. ارفعي صوت الموسيقى .. - التذاكر جاهزة يا صلاح .. حجزنا منذ أول دخولنا .. - هذا شأن النساء دائماً ، تواقات للحياة .. و هذا أجمل مزاياهن العريقة .. - كنت مصممة رغم تعب السفر أن نسهر هذه الليلة .. ألم يذهب التعب مع النهار ؟ - أين البيرة ؟ البيرة المثلجة ؟ حمل زوجي البيرة و صبها في كأس طويلة و ارتفع الزبد إلى أعلى الكأس . بعد دقائق ارتفعت قهقهاته عالياً في الغرفة . كان يرتدي بدلته الزرقاء ، و يكمل زينته ، و يجرع البيرة في آن و آخر ، و يمازحني كعادته .. كنت أجلس بجانب الستارة .. و يبدو أنني نسيت . غمرني صلاح ببهجة مفاجئة و سريعة .. نسيت ، يبدو نسيت .. قال لي : - تعالي أريد أن أهمس في إذنك .. و قبلني قبلة حارة .. - إلى السهرة ! قال و هو يمسك يدي و نفتح الباب و نخرج . صلاح هشام : في الطريق إلى السهرة ، إلى الطابق الثاني ، سبقنا الهرج في الفندق ، الندل الحاملون الزجاجات و الفواكه . الخدم بملابسم الزرقاء السماوية و هم يحملون الحقائب . الأزهار و النباتات الخضراء في الممرات .. النساء الجميلات طبعاً ، بالملابس الجديدة للسهرة .. كلهم يتدفقون في المصعد الكبير في اتساع غرفة .. إلى الطابق الثاني .. ضغطنا زر الطابق الثاني فقط .. و أعلن الضوء الأصفر بداية وقوف المصعد .. زرافات كنا .. الموسيقى ، و الجو الحالم ، الأضواء الخا فتة و الديكور الكلاسيكي القديم ، و الطاولات تتوسطها سلة الفاكهة و النادلات الجميلات .. كان المطعم يغص بالحضور من جنسيات مختلفة ، رنين الضحكات و هي تتشظى . أعطيت النادل البطاقة فقادني إلى طاولة صغيرة بجانب لوح زجاجي كبير عريض .. خلف اللوح الزجاجي كانت المقبرة أيضاً في مكانها .. و كأنها تنتظرنا هنا أيضاً .. دهشاً جلست . الم تلحظ زوجتي شيئاً حتى الآن .. قلت للنادل : - هل يمكن تغيير هذا المكان ؟ أشار إلى الناس المتزاحمين على المقاعد و قال : - هذا هو المكان الوحيد الموجود .. طلب هذا المكان كثيرون من قبل أن تجيء .. أنت محسود يا سيدي .. هذا المكان يطل على المدينة .. و تستطيع من هنا أن تكشف كل القاعة ! قلت : - إذن .. شكراً لا بأس ! بشرى إبراهيم : كنت أعرف أن صلاح سينزعج لو عرف الأمر . كنت في غاية الدهشة ، إذ لم أتوقع أن تكون المقبرة هنا أيضاً في السهرة ، بين الناس .. و أن أحسها تندقم في الظلام المحيط بالأسوار و المدينة و الفندق و الطاولات .. كنت خائفة أن يكتشف صلاح ذلك فجأة .. و قلت لل نادل : - أرجو أن تجد لنا مكاناً آخر فيما بعد .. قال النادل : - سأحاول . صلاح هشام : قررت ألا ألتفت إلى الوراء . أعطيت المدينة و المقبرة ظهري ، و أعطت بشرى المقبرة و المدينة ظهرها . كنا بهذه الهيئة نقابل "البند" و صالة الرقص تماماً . وجدت في هذه الهيئة مالا يخالف التآلف و النتاسق مع " البند " و صالة الرقص التي توجهت الأجساد و الأنظار إليها .. كنت مأخوذا بالحفل . و الرقص و الموسيقى نسيت .. لكنني بين آن و آخر أفكر في بشرى .. لا أريدها أن تعرف .. أنا نسيت و هي قد لا تنسى لو علمت بالأمر . قضينا سهرة ممتعة و رقصنا في حلبة الرقص .. و في إحدى الصولات و كنا عائدين إلى مقاعدنا من الحلبة الصاخبة وجدنا نفسينا نقابل المقبرة و نحن نمسح عرق الرقص .. و لم نعط المقبرة ظهرنا بعد ذلك .. راينا كل شيء معاً ، و عرفنا كل شيء معاً ، و عرفنا أننا كنا نعرف الحقيقة و نخفيها عن بعض .. فضحكنا للنكتة . في غرفتنا ، في الدور الخامس كانت الستارة مفتوحة .. حين غبنا في عناق طويل .. لم نكن نرى أو نعرف شيئاً .. أو لا نحس بوجودنا .. أنا و بشى ف ي المكان . | |
|